1.
أي لمنتظره، يقال: نَظَرْتُه أي انتظرته.

وأول من قال ذلك قُرَاد بن أجْدَعَ، وذلك أن النعمان بن المنذر خرج يتصيَّد على فرسه اليَحْمُوم، فأجراه على أثَر عَيْر، فذهب به الفرس في الأرض ولم يقدر عليه، وانفرد عن أصحابه، وأخذته السماء(أي مطر الماء ، أي أصابه مطر الماء)، فطلب ملجأ يلجأ إليه، فدفع إلى بناء فإذا فيه رجل من طيىء يقال له حَنْظَلة ومعه امرأة له، فقال لهما : هل من مأوىً؟ فقال حنظلة : نعم، فخرج إليه فأنزله، ولم يكن للطائيِّ غيرُ شاة وهو لا يعرف النعمان، فقال لامرأته : أرى رجلاً ذا هيئة، وما أخْلَقَه أن يكون شَريفاً خطيراً، فما الحيلة؟ قالت : عندي شيء من طحين كنت ادَّخرته ، فاذبح الشاة لأتخذ من الطحين مَلَّة، قال: فأخرجت المرأة الدقيق فخبزت منه مَلَّة، وقام الطائيّ إلى شاته فاحتلبها ثم ذبحها، فاتخذ من لحمها مَرَقة مضِيرة، وأطعمه من لحمها، وسقاه من لبنها، واحتال له شراباً فسقاه وجعل يُحدثه بقية ليلته.
فلما أصبح النعمان لبس ثيابه وركب فرسه، ثم قال : يا أخا طيىء اطلب ثَوَابك، أنا الملك النعمان، قال : أفعل إن شاء الله، ثم لحق الخيل فمضى نحو الحِيرة، ومكث الطائيّ بعد ذلك زماناً حتى أصابته نَكْبة وجَهْد وساءت حاله، فقالت له امرأته: لو أتيت الملك لأحسن إليك، فأقبل حتى انتهى إلى الحِيرة فوافق يومَ بؤس النعمان، فإذا هو واقف في خَيْله في السلاح، فلما نظر إليه النعمان عرفه، وساءه مكانُه، فوقف الطائيّ المنزولُ به بين يدي النعمان، فقال له: أنت الطائي المنزول به؟ قال: نعم، قال: أفلا جئت في غير هذا اليوم؟ قال: أبَيْتَ اللعن! وما كان علمي بهذا اليوم؟ قال: والله لو سَنَح لي في هذا اليوم قابوسُ ابني لم أجد بدّاً من قتله، فاطلب حاجَتَكَ من الدنيا وسَلْ ما بدا لك فإنك مقتول، قال: أبَيْتَ اللعن! وما أصنع بالدنيا بعد نفسي! قال النعمان : إنه لا سبيل إليها.

قال: فإن كان لا بدَّ فأجِّلْني حتى أُلِمَّ بأهلي فأوصي إليهم وأهيِّئ حالهم ثم أنصرف إليك، قال النعمان: فأقم لي كفيلاً بموافاتك، فالتفت الطائي إلى شريك بن عمرو بن قيس من بني شيبان، وكان يكنى أبا الحوْفَزَان، وكان صاحب الرِّدافة، وهو واقف بجانب النعمان، فقال له:

يـا شـريـكـاً يـابـنَ عَـمـرو *** هـل مـن الـمـوت مَـحَـالـهْ
يــا أخــا كـــلِّ مُـضَــــافٍ *** يــا أخــا مَــنْ لا أخــا لَـــهْ
يـا أخــا النـعـمـان فُــكَّ الـ *** ـيــوم ضَـيْـفـاً قـد أتـى لـــهْ
طـالـمــا عــالـج كُـرْبَ الـ *** ـمــوتِ لا يــنــعَـــمُ بــالَــهْ

فأبى شريك أن يتكفّل به، فوثب إليه رجل من كلب، يقال له: قُرَاد بن أجْدَع، فقال للنعمان: أبيت اللَّعْن! هو عليّ، قال النعمان: أفعلت؟ قال: نعم، فضمّنه إياه ثم أمر للطائي بخسمائة ناقة.
فمضى الطائى إلى أهله، وجَعَلَ الأجَلَ حولاً من يومه ذلك إلى مثل ذلك اليوم من قابل، فلما حال عليه الحولُ وبقي من الأجل يوم قال النعمان لقُرَاد:

فإن يَكُ صَدْرُ هذا اليوم ولّى فإنَّ غداً لِناظِرِه قَريبُ

فلما أصبح النعمان ركب في خيله ورَجْله متسلحاً كما كان يفعل حتى أتى الغَرِيَّيْنِ فوقف بينهما، وأخرج معه قُرَاداً، وأمر بقتله، فقال له وزراؤه: ليس لك أن تقتله حتى يستوفيَّ يومه، فتركه، وكان النعمان يشتهي أن يَقْتُل قُرَاداً ليُفْلِتَ الطائيّ من القتل، فلما كادت الشمس تَجِبُ وقُرَاد قائم مُجَرَّد في إزار على النّطَع، والسياف إلى جنبه أقبلت امرأته وهي تقول:

أيا عَيْنُ بكِّي لي قُرَاد بن أجْدَعَا *** رهيناً لقَتْلٍ لا رهيناً مُوَدّعاً
أتتْه المنايا بَغْتةً دون قومه *** فأمسى اسيراًحاضرالبَيْتِ أضْرَعا
فبينا هم كذلك إذ رُفِع لهم شخص من بعيد، وقد أمر النعمانُ بقتلِ قُراد، فقيل له: ليس لك أن تقتله، حتى يأتيك الشخص فتعلَم مَنْ هو، فكفَّ حتى انتهى إليهم الرجلُ، فإذا
هو الطائيّ، فلما نظر إليه النعمان شقَّ عليه مجيئهُ، فقال له: ما حملك على الرجوع بعد إفلاتك من القتل؟ قال: الوفاء، قال: وما دعاك إلى الوفاء؟ قال: ديني، قال النعمان: وما دينك؟ قال: النصرانية، قال النعمان: فاعرضْهَا عليّ، فعرضها عليه فتنصّر النعمان وأهل الحِيرة أجمعون، وكان قبل ذلك على دين العرب، فترك القتلَ منذ ذلك اليوم، وأبطل تلك السُنَّة وأمربهدْم الغَرِيّيْن، وعفا عن قُرَاد والطائيّ، وقال: والله ما أدري أيهما أوفى وأكرم، أهذا الذي نجا من القتل فعاد، أم هذا الذي ضمنه؟ والله لا أكون ألأمَ الثلاثة، فأنشد الطائيّ يقول:
ما كُنْتُ أُخْلِفُ ظنه بعد الـذي *** أسْدَى إليّ من الفعال الخالي
ولقد دَعَتْنِي للخلاف ضلاَلتي *** فأبَيتُ غيرَ تمجُّدي وفَـعالـي
إني امرؤ منِّي الوفاءُ سَــجِية *** وجـــــزاء كــل مـكارم بذَّالِ

وقال أيضأ يمدح قُراداً:

ألا إنما يسموإلى المجد والعلا *** مَخارِيقُ أمثال القُرَاد بن أجْدَعَا
مخاريقُ أمثال القراد وأهله *** فإنهمُ الأخيار من رَهْطِ تُبَّعَا
8 2

عبارات ذات علاقة ب إنَّ غداً لناظره قريب

اشرأب عنقه اعقلها وتوكل استشاط غضبا استأصل شَأْفَتَه ابن السبيل
 
1.
أي لمنتظره، يقال: نظرته أي انتظرته. وأول من قال ذلك قراد بن أخدغ، وذلك أن النعمان بن المنذر خرج يتصيد على فرسه اليخموم، فأجراه على أثر عير، فذهب به الفرس في الأرض ولم يقدر عليه، وانفرد عن أصحابه، وأخذته السماء"، فطلب ملجأ يلجأ إليه، فدفع إلى
بناء فإذا فيه رجل من طيىء يقال له حنظلة ومعه امرأة له، فقال لهما: هل من مأوى؟ فقال حنظلة: نعم، فخرج إليه فأنزله، ولم يكن للطائن غيز شاة وهو لا يعرف النعمان، فقال لامرأته: أرى رجلا ذا هيئة، وما أخلقه أ" أن يكون شريفا خطيرا، فما الحيلة؟ قالت: عندي شيء من طحين كنت ادخرته، فاذبح الشاة لأتخذ من الطحين مله"، قال: فأخرجت المرأة الدقيق فخبزت منه ملة، وقام الطائي إلى شاته فاحتلبها ثم ذبحها، فاتخذ من لحمها مرقة مضيره ، وأطعمه من لحمها، وسقاه من لبنها، واحتال له شرابا فسقاه وجعل يحدثه بقية ليلته. فلما أصبح النعمان لبس ثيابه وركب فرسه، ثم قال: يا أخا طيىء اطلب ثوابك، أنا الملك النعمان، قال: أفعل إن شاء الله، ثم لحق الخيل فمضى نحو الجيرة، ومكث الطائي بعد
ذلك زمانا حتى أصابته نكبة وجهد وساءت حاله، فقالت له امرأته: لو أتيت الملك لأحسن إليك، فأقبل حتى انتهى إلى الجيرة فوافق يوم بؤس النعمان، فإذا هو واقف في خيله في
السلاح، فلما نظر إليه النعمان عرفه، وساءه مكانه، فوقف الطائن المنزول به بين يدي النعمان، فقال له: أنت الطائي المنزول به؟ نعم، قال: أفلا جنت في غير هذا اليوم؟ قال: أبيت
قال: اللعن! وما كان علمي بهذا اليوم؟ قال: والله لو سنح لي في هذا اليوم قابوس ابني لم أجد بذا من قتله، فاطلب حاجتك من الدنيا وسل ما بدا لك فإنك مقتول، قال: أبيت اللعن! وما أصنع
بالدنيا بعد نفسي! قال النعمان: إنه لا سبيل إليها. قال: فإن كان لا بد فاجلني حتى أيم بأهلي فأوصي إليهم وأهيىء حالهم ثم أنصرف إليك، قال النعمان: فأقم لي كفيلا بموافاتك، فالتفت الطائي إلى شريك بن عمرو بن قيس من بني شيبان، وكان يكنى أبا الخزفزان، وكان صاحب الرداهة)، وهو واقف بجانب النعمان، فقال له:
ياشريكا يابن عمرو هلمن الموت محاله يا أخا كل مضاف يا أخا من لا أخا له
يا أخا النعمان فك ال يوم ضيفا قد أتى له
طالما عالج كرب ال موت لا ينعم باله
فأبى شريك أن يتكفل به، فوثب إليه رجل من كلب، يقال له: قراد بن أجذع، فقال للنعمان: أبيت اللغن! هو علي، قال النعمان: أفعلت؟ قال: نعم، فضمنه إياه ثم أمر للطائي بخمسمائة
ناقة . فمضى الطائي إلى أهله، وجعل الأجل حولا من يومه ذلك إلى مثل ذلك اليوم من قابل، فلما حال عليه الحول وبقي من الأجل يوم قال النعمان لقراد: فإن يك صذر هذااليوم ولى فإلغدالناظره قريب فلما أصبح النعمان ركب في خيله ورجله متسلحا كما كان يفعل حتى أتى الغريين ا فوقف بينهما، وأخرج معه قرادا، وأمر بقتله، فقال له وزراؤه: ليس لك أن تقتله
حتى يستوفي يومه، فتركه، وكان النعمان يشتهي أن يفئل قرادا ليفلت الطائي مي
تجب وقراد قائم مجرد في إزار القتل، فلما كادت الشمس : على التطع "، والسياف إلى جنبه أقبلت امرأته وهي تقول:
أيا عين بكي لي قراد بن أجدعا رهينا لقئل لا رهينا مودعا
أتته المنايا بغتة دون قومه فأمسى أسيراحاضر البيت أضرعاا
فبينا هم كذلك إذ رفع لهم شخص من بعيد، وقد أمر النعمان بقتل قراد، فقيل له: ليس لك أن تقتله، حتى يأتيك الشخص فتعلم من هو، فكف حتى انتهى إليهم الرجل، فإذا هو الطائي، فلما نظر إليه النعمان شق عليه مجيثة، فقال له: ما حملك على الرجوع بعد إفلاتك من القتل؟ قال: الوفاء، قال: وما ذعاك إلى الوفاء؟ قال: ديني، قال النعمان: وما ديئك؟ قال: النصرانية، قال النعمان: فاغرضها علي، فعرضها عليه فتنصر النعمان وأهل الجيرة أجمعون، وكان قبل ذلك على دين العرب، فترك القتل منذ ذلك اليوم، وأبطل تلك السلة وأمر بهذم الغريين")، وعفا عن قراد والطائي، وقال: والله ما أدري أيهما أوفى وأكرم، أهذا الذي نجا من القتل فعاد، أم هذا الذي ضمنه؟ والل لا أكون ألأم الثلاثة، فأنشد الطائي يقول:
ما كنت أحلف ظنه بعد الذي أسدى إلي من الفعال الـخالي
ولقد دعتني للخلاف ضلألتي فأبيت غير تمجدي وفعالي
إني امرؤ مني الوفاء سجـية وجزاء كل مكارم بذال
وقال أيضا يمدح قرادا:
ألا إنما يسمو إلى المجد والعلا مخاريق أمثال القراد بن أجدعا
مخاريق أمثال الـقـراد وأهـله فإنهم الأخيار من رهط تبعا
3 0