1.
عنان السماء
ما بدا لك منها إذا نظرتها، أو ما علا منها وارتفع .
عند جهينة الخبر اليقين
كان من حديثه أن حصين بن عمرو بن معاوية بن كلاب، خرج ومعه رجل من جهينة يقال له: الأخنس بن كعب، وكان الأخنس قد أحدث في قومه حدثا، فخرج هاربا، فلقيه الحصين فقال له: من أنت ثكلتك أمك؟! فقال له الأخنس: بل من أنت ثكلتك أمك؟! فردد هذا القول حتى قال الأخنس: أنا الأخنس بن كعب، فأخبرني من أنت وإلا أنفذت قلبك بهذا السنان، فقال له الحصين: أنا الحصين بن عمرو الكلابي، ويقال: بل هو الحصين بن سبيع الغطفاني، فقال له الأخنس:
فما الذي تريد؟ قال: خرجت لما يخرج له الفتيان، قالالأخنس: وأنا خرجت لمثل ذلك، فقال له الحصين: هل لك أن نتعاقد ألا نلقى أحدا من عشيرتك أو عشيرتي إلا سلبناه؟ قال: ؛ فتعاقدا على ذلك، وكلاهما فاتك يخدر صاحبه؛ فلقيا رجلا فسلباه؛ فقال لهما: هل لكما أن تردا علي بعض ما أخذتما ، مني وأدلكما على مغنم؟ قالا: نعم. فقال: هذا رجل من لخم، قد قدم من عند بعض الملوك بمغنم كثير؛ وهو خلفي في موضع كذا وكذا، فردا عليه بعض ماله وطلبا اللخمي فوجداه نازلا في ظل شجرة، وقدامه طعام وشراب، فحيياه وحياهما، وعرض عليهما الطعام، فكره كل واحد أن ينزل قبل صاحبه فيفتك به؛ فنزلا جميعا. فأكلا وشربا مع اللخمي. ثم إن الأخنس ذهب لبعض شأنه فرجع واللخمن يتشحط في دمه؛ فقال الجهني - وهو الأخنس - وسل سيفه لأن سيف صاحبه كان مسلولا: ويحك! فتكت برجل قد تحرمنا بطعامه وشرابه، فقال: اقعد يا أخا جهينة، فلهذا وشبهه خرجنا. ثم إن الحصين قال: يا أخا جهينة فشربا ساعة وتحدثا؛
أتدري ما صعله وما صعل؟ قال الجهني: هذا يوم شرب وأكل، فسكت الحصين؛ حتى إذا ظن أن الجهني قد نسي ما يراد به؛ قال: يا أخا جهينة، هل أنت للطير زاجر؟ قال: وما ذاك؟ قال: ما تقول هذه العقاب الكاسر؟ قال الجهني: وأين
تراها؟ قال: هي ذه، وتطاول ورفع رأسه إلى السماء، فوضع الجهني بادرة السيف في نحره، فقال: أنا الزاجر والناجر، واحتوى على متاعه ومتاع اللخمي؛ وانصرف راجعا إلى قومه. فمر ببطنين من قيس يقال لهما: مراح وأنمار؛ فإذا هو بامرأة تنشد الحصين بن سبيع، فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا صخرة امرأة الحصين، قال: أنا قتلته، فقالت: كذبت ما مثلك يقتل مثله، أما لو لم يكن الحي خلوا ما تكلمت بهذا، فانصرف إلى قومه فأصلح أمرهم ثم جاءهم، فوقف حيث يسمعهم وقال
وكم من ضيغم ورد هموس أبي شبلين مسكنه العرين
علوت بياض مفرقه بعضب فآضحى في الفـلاة له سكون
وأضحت عرسه ولها عليه بعيدهدوء ليلتها رنين
وكم من فارس لا تزدريه إذا شخصت لموقعه العيون
كصخرة إذ تسائل في مراح وأنمار وعلمها ظنون
تسائل عن حصين كل ركب وعندجهينة الخبر اليقين
فمن يك سائلا عنه فعندي لصاحبه البيان المستبين
جهينة معشري وهم ملوك إذا طلبوا المعالي لم يهونوا
يضرب في معرفة الشيء حقيقة.
0 0